نوفمبر 18, 2022 - 8:36 م

65

كتب…..سعد الاوسي

في ايام المراهقة الاولى وبين اوهام القوة وعنتريات الفتوة اهدى إلي احد اصدقاء السوء ( وهم كثر ) خنجراً صغيراً بمقبض خشبي قديم مكسور ملصوق الاجزاء بشريط أسود مما يستعمل في الاسلاك الكهربائية “يعني تيب” !! كان نصل الخنجر صدئاً لا يتجاوز طوله 8 سنتمترات ، ولا يقوى حتى على جرح “بزونه” ، اعمى من حديه ، ولم يفلح ان يخدش كفي مرةً وانا امررها عليه بقوة لاحدث جرحاً صغيراً كدليل على قوتي وشدة تحملي .

قال لي صاحبي عندما قرأ الخيبة على وجهي من خنجره التافه هذا : (( يمكن يحتاج تحده )) …لانه مضموم من زمان ومحد استعمله صار سنين …!!!
بس وداعتك… ابوية كان خاصي بيه المنطقه كلها…!!

حاولت ان اصدق كذبة صديق السوء هذا فقررت ان اذهب بالخنجر الى محل الحدادة في اخر سوق المحلة لعلي اعيد له بعض قوته وشبابه وهيبته … !!

نظر اليّ حداد السكاكين طويلاً بعد ان رمق الخنجر بنصف نظرة ، محتقراً ومستصغراً لكنني لم ارد ان اصدق ذلك الازدراء البادي على وجهه ، لأنني بدأت ارى في الخنجر اخاً وصاحباً (وعزوةً) سيعينني حين احتاج اليه ، وقد انتبهت الى ان الدكان شبه خال واغراضه يعلوها الغبار مما يوحي انه لم ير زبوناً منذ اسابيع ، لذلك اراد ان يستغل جهلي وقلة خبرتي كمراهق في اجرة شحذ الخنجر واعادته الى بريق شبابه ، قال لي دون ان ينظر في وجهي : هذا يكلفك ربع دينار !!!

الملعون كأنه عرف ما في جيبي بالضبط ، كان الربع دينار في حينه ( اله حوبه ويعور) فأجبته مستنكراً ومساوماً : عمي شدعوه ربع دينار هو الخنجر يسواله ربع ؟؟؟!!!!!
فأجابني : اذا تعرفه ما يسوى ربع ليش جايبه وجايني يلا اخذ خنجرك واطفر ….!!

كان رده حازما وكنت مصراً ان لا اخيب احلام القوة التي راودتني طوال ليلة امس وانا اتخيل نفسي احمل الخنجر واتبختر به في المنطقه ، اخوّف الجميع واكطع الشارع من الطول للطول …!!!!

قلت للحداد مستسلماً :
انطيك ربع بس اريدك تحده زين ، اريده يگص الهوا …!!
قال مبتسماً : راح اسويلكياه مثل خنجر عنتر بن شداد !!؟
تريد اغيرلك المقبض بواحد جديد ،بس يكلفك دينار !!

فقلت :
لا لا. اريده هيج ، اني معتز بيه، كي اهرب من حرج افلاسي لحظتها ومن استغلال هذا الحداد الجشع الذي يبدو انه عرف مدى تعلقي و توهمي بالخنجر ( العاوي ) ……!!

اصبح الخنجر بعد الحد وازالة الصدأ ، وبعد ان صنعت له ( گراب جلد معتبر) رفيقي الذي لا يفارق حزامي حتى في المدرسة رغم خطورة ان يضبط عندي ، لأن ذلك يعني الطرد الفوري من مقاعد الدراسة ،ولكنني لشدة حبي و ثقتي بهذا السلاح (الفتاك) لم اكن اصبر على فراقه ابداً ، حتى في النوم اضعه تحت وسادتي زلا اغفوا الا ويدي تمسك قبضته… وقد خصصت يوم الخميس من كل اسبوع لتلميعه وتنظيفه والتدريب امام المرآة بعد خروج والدي من البيت الى زيارته الاسبوعية المقدسة لمسجد السهلة في مدينة الكوفة وهي الزيارة التي يحرص عليها الوالد بانتظام لسر لم اعرفه حتى الآن.

وكنت وقتها اضع لايام الاسبوع اسماءً وصفات حسب مناسباتها… فالجمعة يوم النوم والتسخيت وفلم الساعة الرابعة العربي والسبت يوم الكآبة لانه اول يوم دوام والاحد يوم كرة القدم والاثنين يوم الحلاقين والثلاثاء يوم الرياضة في اسبوع والاربعاء يوم السمك الذي تحرص والدتي رحمها الله على ان تقدمه لنا في وجبة الغداء مشوياً ومقلياً….اما الخميس فكان يوم الخنجر تنظيفاً وتلميعاُ وتدريباً ، والحق اقول انني كنت انتظر خميس ( الخنجر ) هذا بفارغ الصبر طوال الاسبوع كي كي اضعه في حزامي بعد التلميع والتنظيف واخرج الى اصدقاء المنطقه (( امقلص وخشمي بالسمه ))
مع تعمدي اظهار مقبضه الملصوق بالشريط الاسود من وراء القميص كما كان يفعل جماعة الامن العام سابقا بأظهار اخامس مسدساتهم .

لاحظت ان بعض مراهقي المنطقه صاروا يخافونني ويتجنبون مشاكستي او الاحتكاك بي بعد ان لاحظوا الخنجر في حزامي دائما ، ثم صرت بعد ذلك من شدة اعجابي به اتخيل واؤلف واروي القصص الغريبة والحكايات العجيبة عن بطولاتي ومعاركي وانتصاراتي بالخنجر فرويتُ عنه ما لم يروَ عن عنتر بن شداد وابو زيد الهلالي وطرزان ابو العقجه (مجتمعين ومنفردين )….!!

وانقسمت اراء اصدقائي حول حكاياتي عن الخنجر فبعضهم كان يصدقها ويستزيدني منها ، والبعض الآخر كان يسخفها ويعتبرها مجرد اكاذيب وهمبلات ، وهؤلاء طبعاً كنت اتجنبهم وابتعد عنهم واحياناً اتعارك معهم لأنني لم اكن اقبل ان يسيء احد الى ( الخنجر ) مهما كان .
الى ان حل اليوم الموعود الذي مازال حتى الان ماثلاً بذاكرتي، يوم فضيحة ( الخنجر ) .
يومها كنت جالساً بين اصدقائي نافشاً ريشي كالعادة مزهواً بالخنجر مثل ابطال الحكايات القديمة، حين فاجأني صاحبي نفسه الذي اهداني الخنجر -الله لايوفقه- وهو يلهث مدمى الوجه مشجوج الرأس تبدو عليه اثار الضرب ( ماكل طن كتل ) ، وقال لي باكياً ( الحگني ابو سعود ،؟داروا علي خمسة من غير محلة، شبعوني كتل بالتواثي )…….!!

فصرخت منتفضاً : (( شلوووون يكتلون صاحبي والخنجر موجود )) !!!؟؟
وبالتواثي ؟؟؟؟!!!
ومن غير محله ؟؟؟
(( ياگاع انشگي وبلعيني ))……!!

كان اصدقائي المتسورون حولي ينتظرون مثل هذا الحدث ليروا ردة فعلي في هذا الحدث ضد الاعداء الخمسة وتواثيهم السخيفة!!!
تُرى ماذا سيفعل ابو سعود صاحب الخنجر الصمصام ؟؟؟

ولم أخيب ظنّهم، حيث قمت من فوري وسحبت الخنجر بغضب وصرخت صرخة مدوية كزئير الاسود :
وينهم ….. ؟؟!!
اليوم ازرفهم تزرف …. انچخهم اتنچخ …ادمرهم دمار !
كان صاحبي ( المبسوط ) يريد تحريضي اكثر وأكثر كي يأخذ ثار كرامته المهدورة،

فقال لي بخاطر مكسور : لحگوني لراس الشارع وهم يكتلون بية ، تقبل اخوك ينكتل بالتواثي؟
آني دخيل الخنجر
اليوم يومه !!!

طبعا اني راساً حميت وصرت بارود، سحبت الخنجر وركضت صوب الجهة التي اشار اليها المبسوط ، وحين حانت مني التفاتة الى الخلف وجدت اصدقائي قد لحقوا بي ، ولكن على مسافة ليست قريبة بقصد الفرجة على ماسيحدث، ( الملاعين ورطوني وحدي بالمشكلة )…..!!
فجأة رأيت مراهقين اثنين ( يعني موخمسة مثل ماقال الكذاب صاحبي ) في يد احدهم عصا !!

يمكن ان نعتبرها توثية ، وهما ما يزالان يشتمان ويسبان صاحبي المبسوط الذي وقف ابعد من الجميع خوفاً ان يناله مزيداً من الضرب ….. اندفعت نحو صاحب العصا وانا اصرخ ( تعالو ولكم عليمن تسبون وتشتمون وشلون تطبون للمحله مالتنا ….!!!)

السفلة لم يخافوا من الخنجر الذي بيدي ابدا، ولا احترموه، وكان ردهم سريعاً وقوياً، اذ رفع صاحب العصا الغليظة يده عالياً فبدت كالمدفع المتأهب للقصف بينما كان الخنجر الذي بيدي ضئيلاً تافهاً كسلاح امام جبروت التوثية المشهرة فوق رأسي ورأسه !!!
غير ان الوقت كان قد فات على امكانية التراجع والهرب.
حين هوت على رأسي دارت بي الدنيا وسقط الخنجر من يدي بعيداً، بعد ان التوى وانفصل رأسه عن نصله من وقع الضربه ، كان الالم الذي شعرت به جرّاء الضربة لا يوصف ( تگول دايس على راسي شفل)، لكن الم كبريائي المهدورة كان اكثر واشد وقعاً على نفسي، خاصة وانا اسقط من اول ضربة امام الاعداء واتمرغل بالتراب وعلى مرأى الجميع !!!

صرخت : اخ يابه انكسرت ايدي !! ربما كي اخيفهم حتى لا اتلقى مزيدا من التواثي والدفرات ، لكن الصرخة كانت متأخرة لان العصا القاسية كانت قد نزلت على ظهري هذه المرة ، وبدا لي انني سأصبح وليمة ضرب دسمة لهؤلاء الملاعين لولا ان حصلت المعجزة ، حين رفع احد اصدقائي حجراً من الارض ورماهم به ليتشجع الاخر ويرميهم بحجر مثله اصاب حامل العصا برأسه وربما شجه ، بعد قليل كان مطر الحجارة التي بدأ اصدقائي يلقونها على الاعداء هو الذي انقذني من الكارثة ، حيث ولى الاعداء هاربين ،، فركض نحوي اصدقائي الذين كنت اكذب عليهم بحكايات و بطولات ( الخنجر )، ورفعوني عن الارض نافضين عني التراب، وانا احمل يدي متأوها ، مدعياً انها مكسورة كي اخفي خجلي مما حصل ،، ركض احدهم وجلب اجزاء الخنجر المبعثرة على الارض قائلاً ( هاك اتفضل المدفع مالتك)!!!، كانت في عينيه خيبة كبيرة من (الخنجر) الذي خدعني وخدعتهم به طويلاً ، فأخذته منه بغضب واستنكار ثم رميته في حاوية الازبال القريبة وانا اردد مع نفسي : الله يخزيك ياالخنجر دنيا وآخرة…….!!

انفجرت ضحكات الاصدقاء الساخرة مني وانا احمل يدي المكسورة وكرامتي المحطمة، وكان يجب ان اتوارى عنهم واختفي من المنطقة بضعة ايام، حتى ينسوا ما حصل. اثناء فترة اختبائي وعدم خروجي من البيت نهائياً، حاولت اقناع ابي وامي ان نغادر الى منطقة اخرى بعيدة لعلي اتخلص من عار الخنجر.
الغريب ان صدى تلك الضحكات ما يزال يرن في اذني حتى الان والجملة التي صارت سخرية اصدقائي الدائمة مني : الله يخزيك يالخنجر دنية واخرة !!!
اذا انت موگدها ليش تورطنا
الحمد لله انه ماكانت اكو موبايلات بذاك الوكت والا كان(بكچروا مي) مثل مابكچروا ذاك الرجال بمطار السويد وخلّوه يونون من الخوف.
وكان صرنا فرجة لأمّة (مارك زوگربيرغ) بالفيس بوك ، وذاك الهاشتاگ الزين:
طيّح الله حظّك يالخنجر !!!
طبعا اني دا احچي على الخنجر مالتي مو الخنجر اللي ببالكم زين ، مو تحورون الكلام بعدين