نوفمبر 7, 2021 - 8:33 م

313

عبدالحسين الهنين *

(السعرالعادل) لبرميل النفط هو توصيفٌ متكرر بين المُنتج والمستهلك. المصدّرون تعلو مناداتهم بـ(العدالة)السعرية كلّما تراجعت الأسعار، والمستهلكون يلجأون الى هذه العدالة مع ارتفاع الأسعار، وهكذا.
ومن الواضح أن الأمر يخضع لتبادل الأدوار، كلّما شعر أحدهم بأنه يدفع سعراً غالياً بالبرميل، أو أنه يبيع بسعر رخيص فرضه السوق، فيحاول كل طرف ترسيخ (سعر عادل) عند رقم معيّن يروّج له.
وبين مُنتِج وآخر من دول النفط، يختلف التصوّر عن السعر العادل، وهو اختلاف عائد الى درجة التضرر المالي الداخلي من تقلّب الأسعار. والى درجة الخضوع للنفط كمصدر للثروة.
لقد تركت هذه السلعة أثراً مدمّراً على قيم العمل والإنتاج، بل هي من أسباب بث الكراهية والحقد بين طبقات المجتمع الواحد بسبب التفاوت بالإنتفاع، الإنتفاع المحكوم بقرب المواطن أو بعده عن السلطة التنفيذية أو الوظيفة العامة.
ومالم يوظف النفط في الصناعات التحويلية، فإنه سيلعب دور السلعة التي تخدعنا، وستعرقل التنمية بدلاً من قيادتها. وستفقد صدارتها بين الأنواع الأخرى من الطاقة.
في العراق، تحوّل النفط الى سلعة مُعادية للديمقراطية، لأنه يقضي(أو قضى بالفعل) على وجود الطبقة الوسطى، وهي الحاضن الاجتماعي الطبيعي للديمقراطية. ولهذا جاز لنا القول: إن النفط والديمقراطية يشكلان ثنائية مستحيلة.
إن مفهوم(السعر العادل) لا يشكل سوى ردّة فعل سياسية، ونظرة على تاريخ أسعار النفط ستكشف لنا الكثير.
منذ تأسيس أوبك عام 1960، مرّت المنظمة بمنعطفين أساسيين؛ الأول بعد عام 1973 وحرب أكتوبر، حيث قفزت الأسعار الى مستويات غير مسبوقة. وازدادت مداخيل المُصدّرين. وقتها احتار العراق في صرف المبالغ الجديدة. وتراكمت ثروة شجّعت على الدخول في حرب الثماني سنوات ليهدر فيها كل ما تراكم، وتضاف إليها ديون جديدة.
ثم انهارت الأسعار عام 1990، ليجد النظام حلاً(كما رأه) وهو أن يغزو الكويت لأجل تمويل آلته العسكرية، وهو ما حصل بالفعل.
سعر برميل النفط قبل عام 1973، وصل الى 3.4$، وبعد سنة صعد الى 12$، وبعد الثورة الإيرانية وصل الى 25$، وهي أرقام قياسية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
المنعطف الثاني لأوبك جاء نهايات الألفية الثانية، إذ تدنّت الاسعار الى مستويات خفيظة جداً لا تعكس الأهمية الستراتيجية للنفط. ووصل سعر البرميل الى 10$ عام 1998.
وفي مؤتمر كاراكاس عام 2000، انفتحت دول أوبيك على التضامن مع دول منتجة من خارج المنظمة، لأجل وقف انهيار الأسعار، والعمل على أن حصر السعر بحدود(22-28)$ للبرميل. وقتها أعلنت واشنطن أن سعر 38$، سيكون بمثابة(خطر) لاقتصادها.
موقف الولايات المتحدة هذا كان قبل حضور النفط الصخري/Shale Oil في الساحة، لترتفع المخاوف من تكرار كارتل أوبيك في سبعينيات القرن الماضي. وقتها كانت الأخوات السبع/ شيفرون، وإكسون وموبيل، وبرتش بتروليوم، وشِل، الى جانب تكساسكو وغولف أويل، هنّ من يحدد الأسعار تقريباً.
السوق النفطية تمتاز بقلّة عدد المنتجين(إحتكار القلّة)، بينما يستهلك معظم الإنتاج(كبار) المستهلكين. لهذا، صار الطلب عليها أمراً بلا مرونة. لكن تدنّي الأسعار يشجع في العادة على المزيد من الاستهلاك(الطلب)، تحت وطأة الإغراء بالسعر المنخفض. لكن هذا لن يحدث إذا كان هناك توازن بين العرض والطلب، أي إن تراجع الأسعار(لن) يفتح المزيد من شهية المستهلكين. وجائت كورونا لتغلق المزيد من النشاط الإقتصادي، رغم صيغته المؤقتة إلّا أن الثابت هو الأثر الباقي على علاقات السوق، أثر غير مسبوق يتفق الجميع بشأنه.
قبل أكثر من عشر سنوات، وقع العراق في بحبوحة مالية نتيجة ارتفاع أسعار الخام وتجاوزت حاجز 100$ للبرميل. وفي عام 2008 وصل الى 147$. لكن مسيرة التراجع بدأت في الأسعار، وتمددت الأزمة لتطال قطاع المصارف الدولية، وبدأ الركود في الاقتصاد الغربي يطل برأسه ووصل الى الإقتصاد الآسيوي. وانخفض الاعتماد على الخام. وقتها لم يتعظ أحد، واستمرّ هدر الثروة ضمن سياسة مالية خالية من الأهداف التنموية الحقيقية.
واليوم نشهد زيادة في الأسعار، فهل سنتعظ؟. وهل سنصل الى مرحلة إدراكية بضرورة وجود سياسة نفطية راشدة لا تتغير بتغير الوزير؟. لقد شهدنا حالات انحرفت فيها السياسة النفطية للعراق وفقاً لمن تولى وزارة النفط، لصالح دول وشركات معيّنة ربما سترد الجميل بضمان مستقبل المسؤول بعد التقاعد.
إن معدلات النمو في الصين والهند، ولدى النمور الآسيوية، هي أهم عوامل تغير أسعار النفط عالمياً. يضاف هذا الى جانب أثر الإقتصاد الأميركي الذي هو محور الاقتصاد العالمي. كما أن التوترات والأزمات الإقليمية لها أثرها على السعر، وكذلك توقعات الحروب.
ومع ذلك، فما زال الحديث مبكراً عن تعافي أسعار النفط وهناك توقعات في انخفاض الأسعار مطلع العام القادم ولإن العوامل الآنية لا تشكل مصدر ثقة لربط اقتصاد بلد ومصير شعب بها، لذا علينا أن نرشّد الإنفاق حتماً، والتحول الجدّي الى مصادر التنمية المستدامة، حتى وإن استمرت أسعار النفط في الارتفاع.
إن تجربة المكسيك تتطلب منا كعراقيين دراسة دقيقة. يعتقد البعض أن هذه الدولة قد رهنت نفطها لسنوات مستقبلية بسعر أقل من قيمته وقت التعاقد، لكنها في الواقع ضمنت سعراً ثابتاً ينأى بنفطها عن التقلبات.
لقد اتخذت هذه الدولة قراراً دفاعياً عبر نفطها، وهو ما أجبر الولايات المتحدة على القبول بنسبة التخفيض المكسيكية(400 الف برميل يومياً)، مقابل تمرير اتفاق خفض الإنتاج الأخير من قبل مجموعة أوبك بلس/OPEC Plus سنة 2020. بينما اضطر العراق الى تخفيض بلغ 23%(1.035 مليون برميل يوميا)، في وقت كنّا نمرّ فيه بأزمة مالية خانقة مرّت بسلام.
كذلك قد يكون اتفاق العراق مع الصين هو أهم القرارات الراشدة في التعامل مع الثروة النفطية، حيث صُمم بعناية ليشكل حماية حقيقية للبلاد من هزّات السوق، لأنه يضمن مشترياً ثابتاً للثروة النفطية، ويوظف جزءاً منها في مشاريع مهمة تخدم المجتمع العراقي. ولذلك يمكن القول إن الاتفاق الصيني كان قراءةً اقتصادية متقدمة لسوق النفط ومحاولة لتجنب المراهنة على سوق مُتقلبة غير مأمونة.

*المقال منشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين